بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
العوامل المؤثرة في السلوك الأخلاقي
الإيمان والتوحيد:
لا شكّ أن المحرك الأول للأخلاق الحسنة هو الإيمان والتوحيد ؛ لأنه يربط الإنسان بخالقه عزوجل ، فيورثه خلق التواضع عندما يتذكر عظمة الله تعالى وضعف الإنسان ، ولذا قيل : من عرف نفسه فقد عرف ربَّه [1]، وقيل: إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك.
ويورثه خلق الرحمة لأنها صفة الله تعالى ويحب أن يتخلق بها ليرحمه الله فإن الله يرحم من عباده الرحماء [2]، وابتداء القرآن كل سورة من سوره بهاتين الصفتين ( بسم الله الرحمن الرحيم ) يرسِّخ خلق الرحمة عند المسلم.
ويورثه خلق العدل لأن الله تعالى عادلٌ لا يحب الظالمين ، ولأن الظلم مرتعه وخيم يوم القيامة ، ولا يعي ذلك إلا من يؤمن باليوم الآخر ،
ويورثه خلق التجرد فلا يعمل العمل الصالح رجاء السمعة والمصلحة بل يبتغي بذلك رضى مولاه سبحانه ، ولأن المرائين والمنافقين يوم القيامة يجعل ما عملوا هباء منثوراً ، ثم يعذَّبون ، فيخاف المسلم من المراءاة والنفاق.
و يورثه خلق الإحسان إلى الآخرين ليجد جزاء ذلك يوم القيامة ، و يمنعه من الأخلاق السيئة لأنه يخشى من عقوبتها ،
والإيمان بالملائكة يشعره بالرقابة الدائمة عليه فيضبط سلوكه.
والإيمان بالرسل الكرام عليهم السلام يدعوه إلى التخلق بأخلاقهم ، لأنهم خير الخلق خلُقاً.
وهكذا تتجاوب العقيدة مع الخلق فيكمل أحدهما الآخر ، ويؤدي كل منهما إلى صاحبه.
وبما أن الإيمان يزيد وينقص لدى الإنسان بين فترة وأخرى ، كما قال سبحانه ] هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ [ ( الفتح: 4 ) فإن هذه الأخلاق تزيد عند زيادة الإيمان وتنقص عند نقصانه ، فإذا أراد المسلم أن تتحسَّن أخلاقه فعليه بزيادة إيمانه بالله سبحانه أولاً ، ولزيادة الإيمان وسائل عدة: منها التفكُّر في آيات الله الكونية ، والتفكُّر في آيات الله الشرعية ، والإقبال على الطاعات ، وترك الكبائر ، وحضور مجالس الذِّكر والعلم ، ومدارسة سيرة النبي المصطفى e ، وقراءة سير الصالحين.
وإنما قويت أخلاق السلف الصالح رحمهم الله لقوة إيمانهم بالله واليوم الآخر ، كما جاء عن فاطمة بنت عبدالملك بن مروان امرأة عمر بن عبدالعزيز رحمهما الله أنها دخلت عليه ، فإذا هو في مصلاه يده على خده ، سائلة دموعه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ألشيء حدث ؟ قال : يا فاطمة ! إني تقلدت أمر أمة محمد eفتفكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري المجهود ، والمظلوم المقهور ، والغريب المأسور ، والكبير وذي العيال في أقطار الأرض ، فعلمت أن ربي سيسألني نهم ، وأن خصمي دونهم محمد e، فحشيت ألا تثبت لي حجة ند خصومه ، فرحمت نفسي فبكيت[3].
[1] من عرف ضعف نفسه وحاجتها وأنه مستحق لوصف العبودية ، عرف غنى الله تعالى وقوته وأنه مستحق لوصف الألوهية.
[2] متفق عليه عن أسامة بن زيد t.
[3] أين نحن من أخلاق السلف ، لعبدالعزيز الجليل و بهاء الدين عقيل ( صفحة 113 )