سئل الشيخ بن عثيمين– رحمه الله – :
كيف نجمع بين هذين الحديثين ، قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة
( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق مالايعطي على العنف ،
ومالايعطي على ماسواه ) وقوله صلى الله عليه
وسلم في حديث آخر ( إذا رأى أحدكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ...) إلى أخر
الحديث ؟
أجاب رحمه الله ، لاتعارض بين الحديثين ، لأن قوله صلى الله عليه وسلم ( فليغيره بيده ) هذا إذا لم يمكن أن يغيره بما دون ذلك ، فإن أمكن
أن يُغير المنكر بيد الفاعل نفسه فهذا أفضل .
مثال ذلك : أن يرى الداعية رجلاً معه آلة لهو يتلهى بها ، وقال له الداعي : إن هذا حرام ، ويجب أن تكسره ، فهنا إن كسره المدعو بنفسه
كان هذا خيرًا ، لأنه قد يكسره عن اقتناع وقد يكسره عن خوف ، المهم مباشرته إياه بنفسه أفضل من أن تقدم أنت وتكسره ، فإذا لم يمكن
فحينئذ كسره إن استطعت ، فإن لم تستطع فبلسانك ، فإن لم تستطع فبقلبك .
ولهذا كان ينبغي بل يجب على طلبة العلم إذا تكلم أحد بباطل أوكتب كلامًا باطلًا يجب أن يتصل بالقائل أو الكاتب قبل أن يرد عليه، من أجل أن
الكاتب أو القائل يتراجع بنفسه،
ويجب عليه إذا عرف أنه على خطأ أن يبين للناس خطأ نفسه، قبل أن يذهب هذا فيرد عليه بمقال أوكتابة؛ لأن في ذلك من إضعاف جانب أهل
العلم ما لا يخفى، لكن لو ذهب الإنسان إلى هذا القائل الذي يرى أنه أخطأ في قوله وتفاهم معه، وقال له: إن هذا خطأ، وبين له وجهة خطئه،
وتناقش معه؛ لأنه قد يكون عند الكاتب الذي يراد الرد عليه ما ليس عند هذا الآخر. وتناقشا في الموضوع، ففي ظني أن الرجل الذي يريد أن
تقوم شريعة الله سوف يرجع إلى الحق، أو على الأقل يقول: هذا الذي عندي، وإذا كان عندك شيء فلا حرج عليك أن تبينه؛ بل يجب عليك أن
تبينه إذا
رأيت أن الحق في خلاف ما أقول.ثم مع ذلك أيضًا أرى أن الطريق السليم ألا يأتي بالخطأ من الآخر، ويوضع أمام الناس، ثم يرد عليه وينتقده،
بل يبين الحق هو بنفسه.مثل أن يقول: فإن قال قائل: كذا وكذا فجوابه كذا وكذا حتى
يعرف الناس الحق، وحتى لا يكون هناك تباغض أو تعاد بين الناس،اللهم إلا إذا كان صاحب بدعة، فإن الواجب أن يبين خطأه، وأن يبين
شخصه، حتى لا يغتر الناس به. أما المسائل الاجتهادية التي يتسع الشرع
لها فإن الأولى فيها سلوك سبيل الحكمة، وجمع القلوب ما أمكن.